فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: بما لبثوا في الكهف، وهي المدة التي ذكرها الله تعالى عن اليهود وإن ذكروا زيادة ونقصانًا.
أي لا يعلم علم ذلك إلا الله أو من علّمه ذلك {لَهُ غَيْبُ السماوات والأرض}.
قوله تعالى: {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} أي ما أبصره وأسمعه.
قال قتادة: لا أحد أبصر من الله ولا أسمع.
وهذه عبارات عن الإدراك.
ويحتمل أن يكون المعنى {أبصر به} أي بوحيه وإرشاده هداك وحججك والحقّ من الأمور، وأسمع به العالم؛ فيكونان أمرين لا على وجه التعجب.
وقيل: المعنى أبصرهم وأسمعهم ما قال الله فيهم.
{مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ} أي لم يكن لأصحاب الكهف وليّ يتولّى حفظهم دون الله.
ويحتمل أن يعود الضمير في {لهم} على معاصري محمد صلى الله عليه وسلم من الكفار.
والمعنى: ما لهؤلاء المختلفين في مدة لبثهم وليّ دون الله يتولى تدبير أمرهم؛ فكيف يكونون أعلم منه، أو كيف يتعلمون من غير إعلامه إيّاهم.
قوله تعالى: {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} قرئ بالياء ورفع الكاف، على معنى الخبر عن الله تعالى.
وقرأ ابن عامر والحسن وأبو رجاء وقتادة والجحدريّ {ولا تشرك} بالتاء من فوق وإسكان الكاف على جهة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويكون قوله: {ولا تشرك} عطفا على قوله: {أبصر به وأسمع}.
وقرأ مجاهد {يشرك} بالياء من تحت والجزم.
قال يعقوب: لا أعرف وجهه.
مسألة:
اختلف في أصحاب الكهف هل ماتوا وفنوا، أو هم نيام وأجسادهم محفوظة، فروي عن ابن عباس أنه مرّ بالشأم في بعض غزواته مع ناس على موضع الكهف وجبله، فمشى الناس معه إليه فوجدوا عظامًا فقالوا: هذه عظام أهل الكهف.
فقال لهم ابن عباس: أولئك قوم فنوا وعدموا منذ مدّة طويلة؛ فسمعه راهب فقال: ما كنت أحسب أن أحدًا من العرب يعرف هذا؛ فقيل له: هذا ابن عم نبيّنا صلى الله عليه وسلم.
وروت فرقة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليحجنّ عيسى بن مريم ومعه أصحاب الكهف فإنهم لم يحجّوا بعد». ذكره ابن عطية.
قلت: ومكتوب في التوراة والإنجيل أن عيسى بن مريم عبدُ الله ورسوله، وأنه يمر بالروحاء حاجًّا أو معتمرًا أو يجمع الله له ذلك فيجعل الله حواريه أصحاب الكهف والرقيم، فيمرّون حجاجًا فإنهم لم يحجوا ولم يموتوا.
وقد ذكرنا هذا الخبر بكماله في كتاب التذكرة.
فعلى هذا هم نيام ولم يموتوا إلى يوم القيامة، بل يموتون قبيل الساعة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)}.
الظاهر أن قوله: {ولبثوا} الآية إخبار من الله تعالى بمدة لبثهم نيامًا في الكهف إلى أن أطلع الله عليهم.
قال مجاهد: وهو بيان لمجمل قوله تعالى: {فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددًا} ولما تحرر هذا العدد بإخبار من الله تعالى أمر نبيه أن يقول: {قل الله أعلم بما لبثوا} فخبره هذا هو الحق والصدق الذي لا يدخله ريب، لأنه عالم {غيب السموات والأرض} والظاهر أن قوله: {بما لبثوا} إشارة إلى المدة السابق ذكرها.
وقال بعضهم: {بما لبثوا} إشارة إلى المدة التي بعد الاطلاع عليهم إلى مدة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقيل: لما قال: {وازدادوا تسعًا} كانت التسعة منبهمة هي الساعات والأيام والشهور والأعوام، واختلفت بنو إسرائيل بحسب ذلك فأمره تعالى برد العلم إليه يعني في التسع وهذا بعيد لأنه إذا سبق عدد مفسر وعطف عليه ما لم يفسر حمل تفسيره على السابق.
وحكى النقاش أنها ثلاثمائة شمسية، ولما كان الخطاب للعرب زيدت التسع إذ حساب العرب هو بالقمر لاتفاق الحسابين.
وقال قتادة ومطر الورّاق: {لبثوا} إخبار من بني إسرائيل، واحتجوا بما في مصحف عبد الله وقالوا {لبثوا} وعلى غير قراءة عبد الله يكون معطوفًا على المحكي بقوله: {سيقولون}.
ثم أمر الله نبيه أن يرد العلم إليه {بما لبثوا} ردًّا عليهم وتفنيدًا لمقالتهم.
قيل: هو من قول المتنازعين في أمرهم وهو الصحيح على مقتضى سياق الآية، ويؤيده {قل الله أعلم بما لبثوا} جعل ذلك من الغيوب التي هو تعالى مختص بها.
وقرأ الجمهور: مائة بالتنوين.
قال ابن عطية: على البدل أو عطف البيان.
وقيل: على التفسير والتمييز.
وقال الزمخشري: عطف بيان لثلاثمائة.
وحكى أبو البقاء أن قومًا أجازوا أن يكون بدلًا من مائة لأن مائة في معنى مئات، فأما عطف البيان فلا يجوز على مذهب البصريين، وأما نصبه على التمييز فالمحفوظ من لسان العرب المشهور أن مائة لا يفسر إلاّ بمفرد مجرور، وإن قوله إذا عاش الفتى مائتين عامًا من الضرورات ولاسيما وقد انضاف إلى ذلك كون {سنين} جمعًا.
وقرأ حمزة والكسائي وطلحة ويحيى والأعمش والحسن وابن أبي ليلى وخلف وابن سعدان وابن عيسى الأصبهاني وابن جبير الأنطاكي مائة بغير تنوين مضافًا إلى {سنين} أوقع الجمع موقع المفرد، وأنحى أبو حاتم على هذه القراءة ولا يجوز له ذلك.
وقال أبو عليّ: هذه تضاف في المشهور إلى المفرد، وقد تضاف إلى الجمع.
وقرأ أبي سنة وكذا في مصحف عبد الله.
وقرأ الضحاك: سنون بالواو على إضمار هي سنون.
وقرأ الحسن وأبو عمرو في رواية اللؤلؤي عنه {تسعًا} بفتح التاء كما قالوا عشر.
ثم ذكر اختصاصه بما غاب في السموات والأرض وخفي فيها من أحوال أهلها، وجاء بما دل على التعجب من إدراكه للمسموعات والمبصرات للدّلالة على أن أمره في الإدراك خارج عن حد ما عليه إدراك السامعين والمبصرين، لأنه يدرك ألطف الأشياء وأصغرها كما يدرك أكبرها حجمًا وأكثفها جرمًا، ويدرك البواطن كما يدرك الظواهر والضمير في {به} عائد على الله تعالى، وهل هو في موضع رفع أو نصب وهل {أسمع} و{أبصر} أمران حقيقة أم أمران لفظًا معناهما إنشاء التعجب في ذلك خلاف مقرر في النحو.
وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون المعنى {أبصر} بدين الله {وأسمع} أي بصر بهدى الله وسمع فترجع الهاء إما على الهدى وإما على الله ذكره ابن الأنباري.
وقرأ عيسى: أسمع به وأبصر على الخبر فعلًا ماضيًا لا على التعجب، أي {أبصر} عباده بمعرفته وأسمعهم، والهاء كناية عن الله تعالى.
والضمير في قوله: {ما لهم} قال الزمخشري: لأهل السموات والأرض من {وليّ} متول لأمورهم {ولا يشرك} في قضائه {أحدًا} منهم.
وقيل: يحتمل أن يعود على أصحاب الكهف أي هذه قدرته وحده.
ولم يوالهم غيره يتلطف بهم ولا أشرك معه أحدًا في هذا الحكم.
ويحتمل أن يعود على معاصري الرسول صلى الله عليه وسلم من الكفار ومشاقيه، وتكون الآية اعتراضًا بتهديد قاله ابن عطية.
وقيل: يحتمل أن يعود على مؤمني أهل السموات والأرض أي لن يتخذ من دونه وليًا.
وقيل: يعود على المختلفين في مدة لبثهم أي ليس لهم من دون الله من يتولى تدبيرهم، فكيف يكونون أعلم منه؟ أو كيف يعلمون من غير إعلامه إياهم؟ وقرأ الجمهور: {ولا يشرك} بالياء على النفي وقرأ مجاهد بالياء والجزم قال يعقوب: لا أعرف وجهه.
وقرأ ابن عامر والحسن وأبو رجاء وقتادة والجحدري وأبو حيوة وزيد وحميد ابن الوزير عن يعقوب والجعفي واللؤلؤي عن أبي بكر: {ولا تشرك} بالتاء والجزم على النهي. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَبِثُواْ في كَهْفِهِمْ}.
أحياءً مضروبًا على آذانهم {ثلاث مِئَةٍ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا} وهي جملةٌ مستأنَفةٌ مبيّنةٌ لما أُجمل فيما سلف وأُشير إلى عزة منالِه، وقيل: إنه حكايةُ كلامِ أهلِ الكتابِ فإنهم اختلفوا في مدة لُبثِهم كما اختلفوا في عِدّتهم فقال بعضهم هكذا وبعضُهم ثلاثمائة.
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: عند أهلِ الكتابِ أنهم لبِثوا ثلاثَمائةِ سنةٍ شمسيةٍ والله تعالى ذكر السنةَ القمريةَ والتفاوتَ بينهما في كل مائة سنةٍ ثلاث سنين فيكون ثلاثَمائةٍ وتسعَ سنين، وسنينَ عطفُ بيانٍ لثلاثمائة، وقيل: بدلٌ وقرئ على الإضافة وضعًا للجمع موضعَ المفردِ ومما يحسّنه هاهنا أن علامةَ الجمعِ فيه جبرٌ لما حُذف في الواحد وأن الأصلَ في العدد إضافتُه إلى الجمع.
{قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} أي بالزمان الذي لبثوا فيه. {لَهُ غَيْبُ السموات والأرض} أي ما غاب فيهما وخفيَ من أحوال أهلِهما، واللامُ للاختصاص العلميِّ دون التكوينيِّ فإنه غيرُ مختص بالغيب {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} دلّ بصيغة التعجبِ على أن شأنَ علمِه سبحانه بالمبصَرات والمسموعاتِ خارجٌ عما عليه إدراكُ المدرِكين لا يحجُبه شيءٌ ولا يحول دونه حائلٌ ولا يتفاوت بالنسبة إليه اللطيفُ والكثيفُ والصغيرُ والكبيرُ والخفيُّ والجليُّ، والهاءُ ضميرُ الجلالة، ومحلُّه الرفعُ على الفاعلية والباء مَزيدةٌ عند سيبويهِ وكان أصله أبصَرَ أي صار ذا بَصَر، ثم نقل إلى صيغة الأمرِ للإنشاء فبرز الضميرُ لعدم لياقةِ الضيغة له أو لزيادة الباء كما في كفى به، والنصبُ على المفعولية عند الأخفشِ والفاعلُ ضميرُ المأمورِ وهو كلُّ أحد، والباءُ مزيدة إن كانت الهمزةُ للتعدية، ومتعدّية إن كانت للصيرورة، ولعل تقديمَ أمرِ إبصارِه تعالى لما أن الذي نحن بصدده من قبيل المبصَرات {مَّا لَهُم} لأهل السمواتِ والأرض {مِن دُونِهِ} تعالى {مِن وَلِىّ} يتولى أمورَهم وينصُرهم استقلالًا {وَلاَ يُشْرِكُ في حُكْمِهِ} في قضائه أو في علم الغيب {أَحَدًا} منهم ولا يُجعل له فيه مدخلًا وهو كما ترى أبلغُ في نفي الشريكِ من أن يقال: من ولي ولا شريكٍ، وقرئ على صيغة نهي الحاضرِ على أن الخطابَ لكل أحدٍ. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَبِثُواْ في كَهْفِهِمْ}.
أحياء مضروبًا على آذانهم {ثالث مِاْئَةِ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا} وهي جملة مستأنفة مبينة كما قال مجاهد لما أجمل في قوله تعالى: {فَضَرَبْنَا على ءاذَانِهِمْ في الكهف سِنِينَ عَدَدًا} [الكهف: 11] واختار ذلك غير واحد، قال في الكشف: فعلى هذا قوله تعالى: {قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} تقرير لكون المدة المضروب فيها على آذانهم هي هذه المدة كأنه قيل قل الله أعلم بما لبثوا وقد أعلم فهو الحق الصحيح الذي لا يحوم حوله شك قط، وفائدة تأخير البيان التنبيه على أنهم تنازعوا في ذلك أيضًا لذكره عقيب اختلافهم في عدة أشخاصهم وليكون التذييل بقل الله أعلم محاكيًا للتذييل بقوله سبحانه: {قُل رَّبّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم} [الكهف: 22] وللدلالة على أنه من الغيب الذي أخبر به عليه الصلاة والسلام ليكون معجزًا له، ولو قيل: فضربنا على آذانهم سنين عددًا وأتى به مبينًا أولًا لم يكن فيه هذه الدلالة البتة، فهذه عدة فوائد والأصل الأخيرة انتهى، ويحتاج على هذا إلى بيان وجه العدول عن المتبادر وهو ثلثمائة وتسع سنين مع أنه أخصر وأظهر فقيل هو الإشارة إلى أنها ثلثمائة بحساب أهل الكتاب واعتبار السنة الشمسية وثلثمائة وتسع بحساب العرب واعتبار السنة القمرية فالتسع مقدار التفاوت، وقد نقله بعضهم عن علي كرم الله تعالى وجهه.
واعترض بأن دلالة اللفظ على ما ذكر غير ظاهرة مع أنه لا يوافق ما عليه الحساب والمنجمون كما قاله الإمام لأن السنة الشمسية ثلثمائة وخمس وستون يومًا وخمس ساعات وتسع وأربعون دقيقة على مقتضى الإمام أن السنة الشمسية ثلثمائة وخمس وستون يومًا وخمس ساعات وتسع وأربعون دقيقة على مقتضى الرصد إلا يلخاني والسنة القمرية ثلثمائة وأربعة وخمسون يومًا وثمان ساعات وثمان وأربعون دقيقة فيكون التفاوت بينهما عشرة أيام وإحدى وعشرين ساعة ودقيقة واحدة وإذا كان هذا تفاوت سنة كان تفاوت مائة ألف يوم وسبعة وثمانين يومًا وثلاثة عشرة ساعة وأربع دقائق وهي ثلاثة سنين وأربعة وعشرون يومًا وإحدى عشرة ساعة وست عشرة دقيقة فيكون تفاوت ثلثمائة سنة تسع سنين وثلاثًا وسبعين يومًا وتسع ساعات وثمانيًا وأربعين دقيقة ولذا قيل إن روايته عن علي كرم الله تعالى وجهه لم تثبت.
وبحث فيه الخفاجي بأن وجه الدلالة فيه ظاهر لأن المعنى لبثوا ثلثمائة سنة على حساب أهل الكتاب الذين علموا قومك السؤال عن شأنهم وتسعًا زائدة على حساب قومك الذين سألوك عن ذلك، والعدول عن الظاهر يشعر به، ودعوى أن التفاوت تسع سنين مبنية على التقريب لأن الزائد لم يبلغ نصف سنة بل ولا فصلًا من فصولها فلم يعبأ به، وكون التفاوت تسعًا تقريبًا جار على سائر الأقوال في مقدار السنة الشمسية والسنة القمرية إذ التفاوت في سائرها لا يكاد يبلغ ربعًا فضلًا عن نصف، وقال الطيبي في توجيه العدول: إنه يمكن أن يقال: لعلهم لما استكملوا ثلثمائة سنة قربوا من الانتباه ثم اتفق ما أوجب بقاءهم نائمين تسع سنين. وتعقب بأن هذا يقتضي أن يكون المراد وازدادوا نومًا أي قوي نومهم في تسع سنين ولا يخفى ما فيه.
وقال أيضًا: يجوز أن يكون أهل الكتاب قد اختلفوا في مدة لبثهم كما اختلفوا في عدتهم فجاء قوله تعالى: {وَلَبِثُواْ} [الكهف: 25] إلخ رافعًا للاختلاف مبينًا للحق؛ ويكون {وازدادوا تِسْعًا} [الكهف: 25] تقريرًا ودفعًا للاحتمال نظيرًا لاستثناء في قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] وسيجيء بيانه إن شاء الله تعالى ولا يخلو عن حسن.